السبت، 11 نوفمبر 2017

الملاحة في البحر الأحمر (الساحل الحجازي) عبر التاريخ الإسلامي

الملاحة في البحر الأحمر
(الساحل الحجازي)
عبر التاريخ الإسلامي
حتى نهاية العهد المملوكي
(دراسة تاريخية)
والبحر الأحمر مجال البحث تبلغ مساحته 178 ألف ميل مربع، ويبلغ طول سواحله من الشمال من خليجي العقبة والسويس إلى الجنوب 3069 ميلاً،  ومتوسط اتساعه 170 ميلاً، ويضيق كلما اتجهنا شمالاً أو جنوباً وأكثر مناطقه اتساعاً 190 ميلاً، وتمتد بين مصوع في أرتيريا على الساحل الأفريقي، وجازان على ساحل الجزيرة العربية جنوب الحجاز، وأضيق مناطقه 40 ميلاً بين عصب في أرتيريا والمخا في اليمن، وينتهي جنوباً بباب المندب([1]).




([1])  مدني: محمد عمر: البحر الأحمر واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ندوة البحر الأحمر، ص165.



والساحل الحجازي على وجه الخصوص، وجزئه الشمالي يمثل ساحلاً صخرياً حيث تطل في معظم جهاته الشمالية الحافات الإنكسارية الوعرة على مياه خليج العقبة، وتصطدم أمواج البحر بأطرافها السفلى، ورغم ميل الساحل إلى الاستقامة الظاهرية، إلا أنه يضم عدد من الرؤوس، أهمها رأس القلاع ورأس أبو علي، ورأس سويهل الصغير، ورأس سويهل الكبير، ورأس الشيخ حميد، وأيضاً عدد من الشروم والخلجان الصغيرة. ويشتهر هذا الساحل بكثرة شعابه المرجانية التي تشكل خطراً على الملاحة فيه، والبحر الأحمر من أفضل البيئات الصالحة لنمو الشعب المرجانية من حيث ارتفاع درجة الحرارة، والأعماق الضحلة، وصفاء المياه، وارتفاع نسبة الملاحة، وتتركز الشعاب المرجانية في النصف الجنوبي للبحر الأحمر وكذلك في نصفه الشمالي عند مدخل خليج العقبة([1]).
ويشير ابن حوقل إلى وجود جبال كثيرة في البحر الأحمر قد علاها الماء، ورغم معرفة طرق السفن بينها، إلا أن ربان السفن لابد لهم من أن يتخللوا هذه الطرق نهاراً، ولا يمكنهم أن يسلكوها ليلاً، رغم صفاء مياه البحر الأحمر وأخطر موقع فيه هي جزر تاران جنوب خليج العقبة، وتتعرض فيه المراكب للمخاطر إلا من سلمه الله([2]).
ويقول ابن ماجد : "بحر القلزم أوسخ بحور الدنيا"، ويعود ذلك الوصف بلا شك إلى كثرة الشعب المرجانية والصخور في هذا البحر ذات الرؤوس الحادة الكامنة تحت مياه البحر، والمتناثرة حول الجزر الصخرية والرملية حتى باتت الملاحة مجازفة ومخاطرة حتى لو كان الملاح ذو خبرة سابقة في معرفة المواقع الخطرة وغير الخطرة، ولديه من القدرة والمهارة ما يستطيع تصريف سفينته في أجواء هذا البحر قد يعرض حياته ومن معه للخطر والهلاك، لذا كانت السفن والمراكب الشراعية لا تسير إلا نهاراً فقط([3]).
ويصف حوراني البحر الأحمر وخاصة النصف الشمالي منه بأنه ينطوي على عقبات كأداء، مشيراً إلى الشعاب المرجانية الضخمة التي تحف كلا الساحلين؛ وتغوص إلى داخل البحر الأحمر، وتجنب الاصطدام بها يحتاج إلى مهارة وحنكة ودراية من أي ملاح. وكانت الملاحة صعبة أيضاً لهبوب الرياح الشمالية على الساحل الحجازي جنوباً طوال العام، مما أضطر عرب الجزيرة إلى اتخاذ طرق برية للقوافل محاذية للساحل الحجازي تجنباً لمواجهة أهوال البحر الأحمر([4]).
وتهب عليه رياح موسمية دائمة شمالية وشرقية في فصل الصيف متجهة إلى الجنوب الغربي، وتهب في الشتاء من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. لذا يفضل الملاحون الإبحار في فصل الصيف في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، لتدفع هذه الرياح السفن إلى باب المندب، ومنه إلى المحيط الهندي، وفي الجزء الشمالي تكون العودة في فصل الشتاء، ما بين شهري ديسمبر وفبراير، وقد اعتاد البحارة والتجار والمسافرون السفر في شهري أبريل ويونيو، والعودة من الجنوب شهري يناير وفبراير، فارتبطت الملاحة في البحر الأحمر بالمخاطرة في العصور الوسطي، ولكن لم تكن العقبات الطبيعية لوحدها التي تشكل خطراً على الملاحة في البحر الأحمر بل هناك أيضاً قراصنة البحر أو "المتجرمة" فقد كانوا يتعرضون للسفن نهباً وقتلاً وسبـياً، ويباع من يُسبى في أسواق العبيد نساء أو رجالاً([5]).

ـ مدى ارتباط المسلمين بالبحر الأحمر حتى نهاية العهد العباسي:
ولنا أن نتساءل ما مدى ارتباط المسلمين بالبحر الأحمر شديد الأهوال منذ العهد النبوي حتى نهاية العهد العباسي إجمالاً؟
لقد ارتبط سكان السواحل البحرية على ساحل البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي بالبحر ذهاباً وإياباً منذ القدم طلباً لرزقهم اليومي، خاصة وأن هذه السواحل كثيرة الجدب لا تتوفر فيها أسباب المعيشة الهانئة بعيداً عن أجواء ومخاطر البحار، زد على ذلك قصر المسافة بين الساحلين العربي والأفريقي في بعض مناطق البحر الأحمر وخليج عدن مما شجع ابناء تلك المناطق على الترحال إلى تلك الديار بالرغم من خطورة البحار المحيطة ببلاد العرب([6]).
ولكـــن ارتبـــاط أهــــل اليمن بالبحــــر تجــاريـــاً كـــان أكثر من أهــل الحجــاز قبـــل الإســلام، ووصلت تجارتهم إلى السند([7])، وكونكنام([8])، ومليبار([9])، وسيلان([10])، وجاوة([11])، والصين([12])، وغيرها من البلدان([13]).
إلا أن هذا لايعني أن باقي أهل الجزيرة العربية وابناء الحجاز خاصة لم يركبوا البحر، وقد دَلّ على معرفتهم بالبحر علامات منها بعض اشعارهم ومنها قول: طرفه بن العبد :
كأنَّ حُدُوج المالكيــة غُدْوةً
\
خلايا سفين بالنواصف من دَدِ
عدوليةٍ أو مـن سفينِ ابن يامنِ
\
يجور بها الملاح طوراً ويهتدي
والحدوج في البيت كما يشرحها التبريزي جمع حدج وهو مركب من مراكب النساء، والخلايا جمع خلية وهي السفينة العظيمة، ولا يقال للسفينة خلية حتى يكون معها زورق. وعدولية تنسب إلى إحدى جزائر الخليج العربي أو العماني، وقيل نسبت إلى قوم بهجر، وابن يامن ملاح من أهل هجر أو تاجر، وعدولية من أنواع السفن العربية([14]).

وقال : عمرو بن كلثوم :
ملأنا البر حتى ضــاق عنا
\
وظهر البحــر نملاه سَفِينا([15])
إضافة إلى الدور التجاري الكبير لقريش في الجاهلية والإسلام فقد قال الله تعالى:﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4).

وبالرغم من الريادة البحرية لأهل اليمن وأهل عُمان إلا أن أهل الحجاز أيضاً مارسوا ركوب البحر، واهتموا أكثر بالتجارة البرية،وقد كانت لهم صلات تجارية عبر البحر بمصر والحبشة، ويدل على ذلك قول الأمام الطبري: (وكانت أرض الحبشة متجراً لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغاً من الرزق وأمناً ومتجراً حسناً)([16]).
وهذا يدل ولاشك على وجود رحلات بحرية لأهل الحجاز بفعل النشاط التجاري البارز لقريش حتى أصبحت مكة محطة تجارية هامة للقوافل البرية القادمة من الشام أو اليمن، وساحلها مكاناً لرسو السفن، حتى أشرق نور الإسلام على الجزيرة العربية منبثقاً من مكة بلد الله الأمين فأتخذ استخدام البحر الأحمر هدفاً آخر إضافة إلى الهدف التجاري ألا وهو نشر الدين والعقيدة، والأمن من أذى مشركي قريش، فكانت الهجرة إلى الحبشة عبوراً للبحر الأحمر من الشعيبة الميناء الحجازي إلى الساحل الإفريقي في السنة الخامسة للبعثة النبوية الشريفة، وكانت هذه الهجرة مفتاحاً لدور جديد للبحر الأحمر، فقد أصبح منفذاً ومعبراً للدعوة الإسلامية، فكان أن أسلم النجاشي أصحمة ملك الحبشة رحمه الله، ولما مات صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه صلاة الغائب، ويورد الطبري تفاصيل أخرى عن إسلام هذا الملك الحبشي([17]). وكان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين إلى الحبشة الفضل بعد الله في بذر البذور الأولى لانتشار الإسلام في إفريقيا، ثم كان كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ففي أحداث السنة السادسة للهجرة يورد الطبري رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى النجاشي (بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلمٌ أنت؛ فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن الميهمن؛ وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى؛ فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له؛ والموالاة على طاعته؛ وأن تبتغي وتؤمن بالذي جاءني؛ فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين؛ فإذا جاءك فأقرهم، ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله؛ فقد بلغت ونصحت؛ فاقبلوا نصحي؛ والسلام على من اتبع الهدى.
فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن أجبر. سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، من الله الذي لا إله إلا هو، الذي هدانا إلى الإسلام. أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقاً؛ إنه كما قلت؛ وقد عرفنا ما بُعثت به إلينا؛ وقد قَّرْينا ابن عمك وأصحابه؛ فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً؛ وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله؛ فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله.)([18])
من ذلك يلاحظ أن هذه الهجرة المبكرة عبر البحر الأحمر إلى شرق أفريقيا مقدمة لانتشار الإسلام في القارة الأفريقية، وكان البحر الأحمر الجسر الذي عبرت عليه هذه الدعوة الفتية دون أن يرافقها الجيوش والأساطيل، ولم يرافقها إلا ما يحفظه أفرادها رضوان الله عليهم من آيات الكتاب الحكيم، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل العلاقات الحسنة التي بُنيت بين المسلمين والنجاشي حالت دون الغزو العسكري في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للحبشة أو في عهد الراشدين، سوى ما أشير إليه من هجمات القراصنة الأفارقة في البحر الأحمر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإيفاده حملة بحرية للقضاء على نشاط القراصنة، وما تم في عهد عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي من سيطرة الأسطول الأموي على جزر دهلك التي شكلت موقعاً للقراصنة لمهاجمة سفن المسلمين. كما أن النزاعات التي حدثت بين بني أمية وآل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والصراعات بين القبائل العربية كالقيسية والكلبية ساهمت في هجرة عدد من أولئك، وعدد من أولئك إلى أفريقيا الشرقية، والتي ساهمت في توطد الإسلام في تلك المناطق، وكل ذلك كان عبر البحر الأحمر، ويشير إلى هذه الهجرة "توماس آرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" قائلاً: أن من الكتب العربية التي تعرضت لانتشار الإسلام في شرق أفريقية كتابٌ وجده البرتغاليون في مدينة "كلو" حيث اجتاحها دون فرنسيسكو دليدا سنة 1505م مبنياً أن هذا الكتاب أشار إلى هجرة عدد من أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين رحمه الله خشية ملاحقة الأمويين لهم إلى شرق إفريقيا، كما هاجرت جماعات عربية أخرى إلى هذه المنطقة، فساهمت هذه التجمعات العربية في نشر الإسلام في أرتيريا والصومال والحبشة والسودان. كما ساهمت التجارة والتجار العرب بدور رائد في نشر الإسلام عبر البحر الأحمر في أفريقيا بعامة وشرقها بخاصة، ولابناء جنوب الجزيرة العربية الدور الرائد في ذلك، ومن ذلك ما ذكره المستشرق جيوم من دور الحضارم في نشر الإسلام عبر البحر الأحمر إلى شرق إفريقية، مشيراً إلى أنه مازالت لهم أماكن معلومة في الصومال و أرتيريا في القرن التاسع الهجري (أوائل الخامس عشر الميلادي). ومن أكبر الشواهد على آثار الدعوات والهجرات والرحلات التجارية إلى شرق إفريقيا قيام دول الطراز الإسلامي التي كانت تشكل على شاطئ البحر الأحمر طرازاً إسلامياً تمثل جوهرة عقده مدينة زيلع([19]) التي كانت تعج بالمساجد والجـوامع([20]).

مما سبق يتضح لنا أن المسلمين في عهد النبوة لم يتهيبوا ركوب البحر كما ذُكر في الآيات القرآنية والأحاديث عن المصطفى عليه  الصلاة والسلام عن البحر، وفضل الجهاد فيه في الفصل الأول، وورد في معاهدة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحب "أيلة العقبة" تأمين المسلمين لأهل أيلة وسفنهم وسياراتهم في البحر والبر، بل ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر (ويقصد أهل الحبشة) وانتهت المعاهدة إلى أنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر. فهذا الصلح يشير إلى أن سكان أيلة "العقبة" وأهل اليمن وأهل الحبشة يرتادون الموانئ الوسطى للحجاز وباقي موانئ البحر الأحمر([21]). وفي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم انطلقت الفتوحات الإسلامية شمالاً وشرقاً وغرباً، وتساقطت أمام جيوش المسلمين جيوش الفرس والروم. وكانت غالب فتوحات المسلمين برية لا بحرية، ومع توسع الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتهد بعض القادة في ركوب البحر لمطاردة وتتبع أعداء الإسلام، مع نهي الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لذلك القائد، وهو العلاء بن الحضرمي أمير البحرين الذي ركب البحر، مما عرضه لعقاب أمير المؤمنين بعزله عن الإمارة وأمره باتباع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه([22]). وكان عمر رضي الله عنه يخشى على المسلمين ركوب البحر خشية هلاكهم فيه، وليس لهم في ركوبه خبرة ودراية كأسطول ومحاربين، ومن هذه الحادثة وحادثة عرفجة بن هرثمة الأزدي سيد بجيلة الذي غزا عُمان فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه غزوه في البحر فأنكر عليه وعنفه. ويرى ابن خلدون أن سبب إحجام المسلمين عن القتال في البحر لبداوتهم، وإنهم لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافته وركوبه، والروم والفرنجة في رأيه لممارستهم أحواله وما مر بهم في التقلب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدراية بثقافته، لذا لما استقر للعرب الملك وقوي سلطانهم، وصارت أمم العجم تحت أيديهم، وأصحاب الصناعات مستخدمين لهم، واستعانوا برجال البحر في حاجاتهم البحرية، وتكررت ممارستهم للبحر، شرعوا للجهاد فيه وأنشئوا السفن والشواطئ وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح والعساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر([23]). ومما دفع بالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالنهي عن ركوب البحر وصف عمرو بن العاص رضي الله عنه لحال الراكبين في البحر الذي كان فيه تخويفاً منها قوله: (وهم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق) فنهى عمر بن الخطاب عن ركوب البحر المتوسط، ورغم إلحاح معاوية رضي الله عنه بغزو قبرص، لم يتم له ذلك إلا في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. ولكن لا يدل ذلك إلا حرص عمر رضي الله عنه على سلامة المسلمين، لأنه لم يكن لديهم في زمانه الأسطول البحري المؤهل، والمعد إعداداً جيداً لخوض قتال البحر([24]).
لكن هذا القول على أهميته لا يعني إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع المسلمين نهائياً من ركوب البحر والجهاد فيه، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن عمر بعث بحملة بحرية في البحر الأحمر إلى ميناء باضع "مصوع" على الساحل الإفريقي بقيادة أبي محجن الثقفي في السنة السادسة عشرة للهجرة، للتصدي لهجمات القراصنة الأحباش على سواحــل تهامـة الحجاز([25]).
والدلالة الأخرى على اهتمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمر البحر، هو تكليفه لعمرو بن العاص رضي الله عنه أمير مصر بحفر قناة بين النيل والبحر الأحمر([26]) تمكن من نقل المؤن والطعام إلى الحجاز، خاصة بعد أن أصاب أهل الحجاز مجاعة وقحطاً شديداً في عام الرمادة المشهور.
ويورد المسعودي أخباراً تشير إلى أنه جرت محاولات في عهد عمر بن الخطاب ثم في عهد هارون الرشيد لحفر قناة موصلة بين البحرين الأحمر والمتوسط، كما هي الحال الآن في "قناة السويس" إلا أن السبب الذي أدى إلى امتناع الخليفتين هو الخشية على أرض الحرمين من غزو البيزنطيين للحجاز وتعديهم على الأراضي المقدسة([27]). وقد مر بنا في الفصل السابق غزو الصليبيين في عهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وكيف كادوا أن يصلوا إلى المدينة المنورة، لولا فضل الله ثم تدارك جيوش الأيوبيين لأرض الحرمين وصد الغزاة المعتدين وعقابهم عقاباً شديداً على جرأتهم وتعديهم على المقدسات.
وبالطبع بعد الفتح الإسلامي المجيد لمصر وانطلاق الفتوحات في القارة الإفريقية أصبح البحر الأحمر بحيرة إسلامية شرقاً وغرباً، وأصبح دوره يقتصر على الدور التجاري ونقل الحجاج والمسافرين، أو الهجرات العربية عبر موانئه إثر الصراعات والنزاعات الداخلية بين المسلمين بعد عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
وقد قاوم الأمويون بعض هجمات القراصنة ليصبح طريق البحر الأحمر آمناً تجارياً وبحيرة إسلامية، واستمر هذا الدور حتى قامت دولة بني العباس فتحول الثقل التجاري إلى منطقة الخليج وبلاد الرافدين، وتراجع دور الحجاز ومصر، ولم يعدلهما إلا الجزء اليسير من التجارة الشرقية حتى قيام الدولة العبيدية "الفاطمية" في مصر والتي أعادت إلى البحر الأحمر نشاطه التجاري([28]).

ـ التجارة الشرقية عبر البحر الأحمر:
ومن أشهر الطرق البحرية المرتبطة بالحجاز طريق بحري يمتد من الشرق الأقصى إلى البحر الأحمر، وله فرعان يأخذ أحدهما جهة الشمال ويعبر سيناء إلى دمشق حتى يصل موانئ البحر المتوسط، وفرعه الآخر يتجه عبر صحراء سيناء إلى النيل فالقاهرة ومنها إلى الإسكندرية ومنها إلى أوروبا([29]).
وطريق آخر ينطلق من الصين بحراً إلى الهند متحداً مع طريق الخليج العربي، والطريق السابق الممتد من الشرق الأقصى إلى البحر الأحمر، ويقع على هذا الطريق عدة موانئ صينية وهندية من أشهرها خانفو (كانتون)، وزيتون، وكينساي بالصين، وهندية مثل الملابار، ومدن جوجيرات، وكمباي، وديد، وكاليقوط، وجوا، وكولون وشول، وكانا نور، وسوراث حتى جزيرة سيلان.
ووصلت السفن الصينية عبره إلى جُدة في البحر الأحمر مما أدى إلى نشاط التبادل التجاري بين العرب والصين والهند حتى أوائل القرن العاشر الهجري، وازدادت رحلات العرب التجارية إلى الصين([30]). وعرف هذا الطريق باسم (طريق الحرير البحري)([31]). ويصف ذلك الطريق جيانغ زيمين رئيس جمهورية الصين الشعبية ، في محاضرة له في مدينة الرياض عن مدى العلاقة بين العرب والصين قائلاً: (هنا قول مشهور للنبي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" "اطلب العلم ولو في الصين"([32])، إن الشعبين الصيني والعربي ظلا يتبادلان التعليم منذ القدم وترجع علاقات الصداقة بينهما إلى عصور قديمة حيث يربطنا طريق الحرير القديم كرابطة الصداقة كما وصلت السفن التجارية الصينية إلى ميناء جُدة في وقت يرجع إلى ما قبل أكثر من ألف سنة وقاد تشنغ خه في عصر أسرة مينع الملكية في الصين أسطولاً بحرياً إلى ما يسمى بالمحيط الغربي آنذاك سبع مرات وزار في طريقه ميناء جُدة ومدينة مكة ...)([33]). ومنذ النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي "القرن السابع الهجري" بعد الغزو المغولي لبلاد المسلمين تعطل الطريق التجاري البري عبر أواسط آسيا، وأصبح طريق البحر الأحمر أكثر أهمية وإقبالاً وتدفقاً تجارياً([34]). وتزايد عدد التجار العرب إقبالاً على التجارة الشرق آسيوية، واتخذوا من خانفو قاعدة لتبادلهم التجاري وحركتهم التجارية، منطلقين من مراكزهم الأساسية على الخليج العربي، ومن ثم انتقل النشاط إلى البحر الأحمر مباشرة حيث أصبحت موانئ البحر الأحمر تتصل مباشرة بموانئ الصين، فكانت تنطلق المراكب العربية تحمل المنسوجات الحريرية والكافور والمسك والتوابل([35]). واستوطن كانتون جالية كبيرة من المسلمين من عرب وفرس([36]). وبعد قضاء الصيف في كانتون تؤوب السفن راجعة مع الرياح الموسمية الشمالية الشرقية إلى مضيق ملقا وتعبر خليج البنغال ومن كولم إلى عُمان([37]).
وبقيت سفن التجارة الشرقية من الصين والهند وبلاد العرب تقطع هذا الطريق قروناً طويلة حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (أوائل القرن العاشر الهجري)، وبعد سيطرة البرتغال على السواحل العربية الإفريقية والأسيوية تمكنوا من القضاء على الملاحة والتجارة العربية، وفُقدت السفن العربية، وبخاصة بعد عام 1517م (923هـ)([38]).
وامتداداً لهذا الطريق البحري عبر البحر الأحمر كانت هناك عدة طرق من الناحية الإفريقية، فقد كان طريق عيذاب على ساحل البحر الأحمر الأفريقي يصل إلى قوص ومنها إلى فندق الكارم بالفسطاط في بحر النيل، وكذلك طريق القصير في جهة الشمال من عيذاب، وكانت تصل إليه بعض المراكب لقربه من قوص ومنها تنقل البضائع إلى قوص ثم فندق الكارم بالفسطاط ثم في بحر النيل إلى موانئ البحر المتوسط (الإسكندرية ورشيد ودمياط)، وطريق ثالث يعرف بطريق الطور وهو ساحل جانب الرأس الداخل في بحر القلزم بين عقبة أيلة، وبين بَرّ الأراضي المصرية، ومال إليه أصحاب السفن لقربه من بر الحجاز، وكثرة المراسي فيه.
وطريق رابع هو طريق السويس بالقرب من بلدة القلزم الخربة، وهو بالتالي أقرب السواحل إلى القاهرة والفسطاط([39]).
وأصبحت بذلك منطقة الحجاز بموانئها ومدنها المقدسة مُستقطب التجارة الشرقية، وأصبحت مكة والمدينة أسواقاً تجارية، وكذلك أصبح موسم الحج موسماً تجارياً كبيراً للمسلمين، واهتم الخلفاء الراشدون بموانئ البحر الأحمر الحجازية كالجار وجُدة في عهدي عمر وعثمان رضي الله عنهما كما سبق توضيحه وبيانه. ومن الثغور الحجازية اتخذت السفن طريقها إلى مصر واليمن، كما استقبلت هذه الثغور سفناً تجارية من الحبشة والهند والصين إضافة إلى مصر([40])، على مدى الفترات التاريخية الإسلامية. فانطلاقاً من العقبة (أيلة) التي أَمّن المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم تجارتها في البحر الأحمر، فالصادق المصدوق عرف قيمة هذا الثغر الاستراتيجي والاقتصادي باعتباره حلقة وصل ورابط بين الشام والديار المصرية من جهة والحجاز من الجهة الأخرى وأحد الثغور الهامة في مجال تجارة البحر الأحمر والملاحة فيه. وبقيت أيلة ممراً ملاحياً يرتبط بالقلزم وعن طريقه تأتي السلع المصرية في العهدين الأموي والعباسي، حتى زاد ثراء أهلها، مما دفع بخلفاء بني أمية لزيادة الجزية على أهل الذمة فيها، حتى عهد عمر بن عبدالعزيز الذي أبطل الزيادة وأبقاها كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتواصل دور العقبة (أيلة) التجاري في العهد العباسي والفاطمي "العبيدي" وازدهرت كثيراً في العهد الفاطمي "العبيدي" فقد كانت تُجلب لها السلع الشامية لتصديرها إلى مصر وإلى داخل الحجاز والجنوب العربي وأفريقيا والهند والصين، فبنى فيها الفاطميون ديواناً للمكوس، بهدف أخذ المكوس على السلع الصادرة والواردة إلى ميناء العقبة. وفي سنة 510هـ (1116م) احتل الصليبيون أيلة لضعف الحامية الفاطمية فيها، وبذلك أصبح الصليبيون على ساحل البحر الأحمر وسيطروا على ثغر تجاري هام تفد إليه التجارات المختلفة، وأصبح الاحتلال الصليبي مصدر خطر وتهديد لتجارة البحر الأحمر وموانئ الحجاز، حتى حررتها الجيوش الأيوبية عام 566هـ، ولكن الأطماع الصليبية ما انقطعت في السيطرة على تجارة البحر الأحمر إضافة إلى أهدافهم الأخرى، فكانت محاولة أرناط الصليبي لغزو الحجاز والسيطرة على البحر الأحمر فمن بين أهدافه السيطرة على تجارة البحر الأحمر باحتلال اليمن، وخضوع البحر الأحمر لنفوذه، وتحويل تجارته إلى العقبة وبالتالي إلى ممالك الصليبيين في الشام، فقد كان من بين أهدافه إنهاك صلاح الدين الأيوبي اقتصادياً مما يعني إنهاكه عسكرياً، لكن الله قيض للجيوش الأيوبية القضاء على أرناط ورجاله بأشد عقاب. وفي العهد المملوكي ازدهرت أيلة "العقبة" تجارياً، وكان ثغر أيلة ولاية تتبع نيابة السلطنة في القاهرة، واهتم المماليك بميناء العقبة وبنوا فيه رصيفاً لرسو السفن التجارية، كذلك ربطت العقبة بخط ملاحي بباقي موانئ الحجاز لنقل الحجاج الشاميين بحراً، وأقام المماليك ديواناً للمكوس، وازدهرت المدينة في عهدهم، وكذلك الحال في دولة المماليك  الجراكسة، فقد جدد قانصوه الغوري رصيف العقبة البحري وحصنها، فأعاد ترميم وتجديد قلعتها خاصة بعد ظهور البرتغاليين([41]).
وأما الجار فهو فرضة المدينة، وتأتيه السفن من أرض الحبشة ومصر ومن البحرين والصين، ووصفت بالعمران وكثرة التجارة والأموال في القرن الرابع الهجري، ويصفها ابن المجاور في القرن السابع الهجري بأن المراكب الواردة من الديار المصرية ترسو فيها([42])، مما يبين استمرار دور هذا الميناء رغم بروز دور ميناء ينبع في القرن السابع الهجري، وكان قد ازدهر الجار في القرون الاولى من العهد الراشدي إلى العهد العباسي وتواصل دوره إلى حد ما في العهد الفاطمي، أما في العهد الأيوبي فقد برز دور ميناء ينبع منذ عام 621هـ باتخاذ الأيوبيين له ميناءاً رئيسياً للمدينة، فاشتروه من الأشراف الحسنيين أهل ينبع النخل بأربعة آلاف مثقال وأقاموا فيه بعض الإنشاءات([43]). وساهم هذا الميناء في تجارة البحر الأحمر، حيث ترد إليه السفن بالغلال كل سنة، وتقدر قيمة تجارته كل عام بحوالي 30.000دينار([44]). وبلغت ينبع أوج ازدهارها زمن سلاطين المماليك الجراكسة نتيجة الاصطلاحات الكثيرة التي أُدخلت على طريق الحج، مما أدى إلى تدفق الحجاج، فكانت ينبع محطة برية وبحرية في آن واحد لحجاج مصر والشام، وقامت بدور تجاري هام زمن المماليك، وأصبحت ينبع الميناء الثاني في الحجاز بعد جُدة إلا أن الصراعات السياسية بين المماليك والأشراف في ينبع ساهمت في الحد من دور ينبع خاصة السنوات الأخيرة من حكم المماليك في القرن العاشر الهجري([45]).
أما جُدة فهي الميناء الرئيسي في الحجاز، وميناء مكة المباشر منذ اتخذه الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ميناءاً لمكة حتى الوقت الحاضر وأصبحت جُدة من أكبر موانئ الشرق([46]). فهو المنفذ التجاري الذي يزود مكة بما تحتاجه بل معظم مناطق الجزيرة العربية من مواد غذائية وموارد اقتصادية يضاف إلى دوره الرئيسي كميناء لحجاج بيت الله الحرام القاصدين مكة المكرمة([47]). وتواصل دور ميناء جُدة في نمو مطرد في العصور الإسلامية المختلفة، وعاشت جُدة في العصر الفاطمي والأيوبي فترة مزدهرة رغم أحداث الغزو الصليبي لبلاد المسلمين حتى أصبحت في العهد الأيوبي مركزاً هاماً من مراكز تجارة الشرق، فكان ميناء جُدة يستقبل الحجاج القادمين بطريق البحر فتزدهر أسواق جُدة في موسم الحج كما أن التجار القادمين من بلاد الأندلس والمغرب إذا لم يتوفر لهم نجاحٌ في مصر والشام توجهوا بتجارتهم إلى جُدة ووجدوا فيها السوق الرائجة لتجارتهم([48]). وتواصل نمو جُدة وكثرت تجارتها في العصر المملوكي، مما جعل سلاطين المماليك وأمراء مكة من الأشراف يدخلون في عدة صراعات بسبب عشور ومكوس هذا الميناء، وتغيرت لغة المؤرخين عن جُدة في القرن التاسع، وأصبحوا يصفونها بأنها من أعظم المدن وربما يردها في كل سنة ما يزيد على 100 مركب، فأصبحت مركزاً تجارياً هاماً، وخاصة بعد تحول البواخر من ميناء عدن إلى جُدة. ولم يفطن المماليك لثراء هذا الميناء حتى الربع الأول من القرن التاسع، فقرروا مشاركة أمير مكة في العشور التي كان يدفعها التجار بجُدة فاتخذ السلطان المملوكي برسباي قرارات منها مشاركة أمير مكة في المتحصل من أموال العشور، كما نظم السلطان طريقة أخذ عشور التجارة بجُدة فعين إضافة إلى نائب الشريف بجُدة موظفاً لتحصيل العشور يسمى (شاد جُدة)، وكذلك يشاركه في جمع العشور والمرتبات القباني والصيرفي والشهود المتواجدون في جُدة إبان وصول السفن الهندية والصينية، فاتبع سلاطين المماليك منذ ذلك الحين سياسة احتكارية تقوم على إجبار التجار على بيع بعض سلعهم بأسعار منخفضة على وكلاء السلطان ثم يقومون ببيعها بأسعار أعلى كثيراً، وبقى الحال على هذا الأمر حتى نهاية الدولة المملوكية.  لكن ظهور البرتغاليين في المحيط الهندي وجنوب البحر الأحمر ترك أثراً واضحاً على تجارة جُدة حيث حولت التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح([49]).
وأما السرين فلم يظهر لها نشاط تجاري بارز في القرون الإسلامية المبكرة، حيث يصفها ابن حوقل في القرن الثالث بقوله: (وصاحب السرين فالواصل إليه كفاء ما يقوم به وبأهله، وليست بحال تُذكر، وله على المراكب الصاعدة والنازلة من اليمن رسم يأخذه من الرقيق والمتاع الوارد من التجار)([50]). إلا أن موقعها على الطريق البري والبحري بين اليمن والحجاز ساهم في انتعاشها، وجعلها تسهم في حركة التجارة في البحر الأحمر من وإلى الحجاز وما جاورها، فساهمت في توريد وتسويق منتجات السروات وسهول تهامة من أنواع الحبوب والتمور والعسل والسمن والزيوت والجلود وغيرها، وكذا ما يأتي من موانئ الحبشة من الرقيق والمتاع. وكان نموها التجاري متدرجاً من محطة من محطات طريق الحج إلى مكة إلى أن بلغت قمة ازدهارها التجاري في القرنين الخامس والسادس الهجريين.([51]) ويصفها الإدريسي بأنها (حصن حصين حسن موضعه كثيرة مياهه ولواليه وجابيه شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب الصاعدة والنازلة من اليمن بالتجارات والمتاع والرقيق، وجباياته المحصلة يصل نصفها إلى صاحب تهامة ونصفها الثاني إلى الهاشمي بمكة)([52]) ويصفها الحميري بأنها (مدينة عظيمة في طريق مكة من اليمن بمقربة من يلملم وفيها أسواق ومسجد جامع، وسورها في البحر ..)([53]). والمورد الرئيسي لأهل السرين التجارة كاستيراد الميرة والمتاع والرقيق وتصديره، وقد اشتهرت السرين بوجود مغاصات اللؤلؤ حتى عد من أشهر الأماكن في البحر الأحمر، لذا يرجح وجود حركة تجارية لاستخراج وتصدير اللؤلؤ السريني الذي احتل مكانة كبيرة بكبر حجمه مثل اللؤلؤ العماني([54]).

وأصبح البحر الأحمر أو "بحر الحجاز" كما كان يطلق عليه مؤرخو العصور الوسطى([55]). بحيرة إسلامية خالصة، وقد منع الحكام المسلمون دخول غير المسلمين إلى هذا البحر([56]). واهتمت الدول الإسلامية المتعاقبة على الحجاز ومصر بتجارة البحر الأحمر الذي عاد عليها بازدهار اقتصادي كبير، وكما سبق الحديث عن عهد الراشدين واهتمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بميناء الجار وجلب المؤن من مصر إلى الحجاز، كذلك الحال بالنسبة للأمويين، فقد ازدهرت تجارة البحر الأحمر في عهدهم، وخاصة التجارة الشرقية، فعملوا على إنشاء المحطات التجارية على الساحل الشرقي لإفريقية لتأمين مسار هذه التجارة([57]). إلا أن تجارة البحر الأحمر أظهرت تراجعاً واضحاً خلال العصر العباسي الأول ومال العباسيون لاتخاذ الخليج العربي طريقاً تجارياً لهم لجلب تجارة الشرق إلى عاصمتهم، كما أن ثورة محمد ذو النفس الزكية في الحجاز قد أدت إلى إجراءات المنصور القاضية بردم خليج أمير المؤمنين بين النيل والبحر الأحمر، وإغلاق ميناء الجار . وأنحصر الإبحار في البحر الأحمر على عدد محدود من السفن الصغيرة تقوم بنقل البضائع الشرقية من عدن إلى مصر([58]).
إلا أن البحر الأحمر استمر طريقاً للتجارة الشرقية خاصة في العصر العباسي الثاني، وظهر ما عُرف بالتجار اليهود "الرازانية" أو "الراذانية" أو "الرادانية" ويرجح (لومبارد) أن كلمة الرادانية قد اشتقت من نهر رادانو أي نهر الرون([59]).
والذين تحدث عن خط سيرهم التجاري الجغرافي ابن خرداذبة المتوفى في حدود سنة "300هـ" قائلاً "الذين يتكلمون بالعربية والفارسية والرومية والإفرنجية والأندلسية والصقلبية، وأنهم يسافرون من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق براً وبحراً يجلبون من المغرب الخدم والجواري والغلمان، والديباج، وجلود الخز، والفراء، والسمور، والسيوف، ويركبون من فِنحْه في البحر الغربي فيخرجون بالفرما ويحملون تجارتهم على الظهر إلى القلزم وبينهما خمسة وعشرون فرسخاً، ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم إلى الجار وجدة، ثم يمضون إلى السند والهند والصين، فيحملون من الصين المسك والعود والكافور والدار صيني وغير ذلك ..."([60]).
وقد استقر بعض تجار أهل الذمة في الحجاز وأصبحوا حلقة وصل ووسطاء للتجار المتجولين واشتغلوا بالصيرفة، وكره الأمام مالك رحمه الله التعامل التجاري لأهل الحجاز مع هؤلاء التجار خشية تحكمهم بالأسواق ولتعاملهم بالربا واستحلالهم له([61]).
وكانت ثورة الزنج في جنوب العراق، وثورة القرامطة في البحرين من العوامل التي عطلت التجارة عبر الخليج العربي في العصر العباسي الثاني وساهمت في عودة النشاط التجاري المزدهر عبر البحر الأحمر([62]).
وظهر دور حكومات مصر جلياً في الإشراف على تجارة البحر الأحمر منذ سيطرة الطولونيين على مقاليد الأمور في مصر من عام (254هـ)، حتى انهيار دولة المماليك وسيطرة البرتغاليين على تجارة المحيط الهندي في القرن العاشر الهجري.
فاهتم احمد بن طولون بالنشاط الاقتصادي في مصر، وأعد أسطولاً كبيراً لحماية السفن التجارية من قراصنة البحر، فعادت هذه السياسة عليهم بمكاسب كبيرة، وفرضوا الضرائب على التجارة الداخلية والخارجية، وازدهرت الأوضاع في مصر اقتصادياً بسبب التجارة الشرقية عبر البحر الأحمر، وتمثل ذلك في العملة القوية للطولونيين، وما ظهر في جهاز زفاف ابنة خمارويه من الثراء الكبير والنفقة الباهظة([63]). واستمرت تجارة البحر الأحمر تساهم في ازدهار الأوضاع الاقتصادية في مصر في عصر الإخشيديين (323 ـ 358هـ)، الذين واصلوا سياسة الطولونيين وازداد توسع نشاط التجار العرب والفرس واليهود زمن الإخشيديين وامتلأت أسواق الفسطاط بالسلع الشرقية وخاصة العنبر([64]). وحل العهد الفاطمي "العبيدي" (358ـ567هـ) الذي ازدهرت فيه التجارة الشرقية عبر البحر الأحمر، وتمتع اليهود بمكانة كبيرة لدى العبيديين، بل يذكر لومبارد أن القائد الفاطمي المشهور جوهر الصقلي يهودي الأصل من إيطاليا الجنوبية، وكذلك يعقوب بن كلس وزير العزيز الفاطمي، والتشتري خلال الوصاية على المستنصر، والوزير بن نغريلة اليهودي في الأندلس، مشيراً إلى الطعن في نسب الفاطميين أنفسهم، حيث يذكر أنهم ينحدرون من أصل يهودي([65]).
ومما يؤكد على ازدهار التجارة الشرقية عبر البحر الأحمر ما ورد من خطابات ومراسلات في وثائق الجنيزة التي عُثر عليها في سيناجوج معبد اليهود بالفسطاط بالقرب من القاهرة سنة 1889ـ1890م، ومجموعة أخرى في مقبرة البساتين بالقرب من القاهرة في سنة 1897، ونقلت معظم هذه الوثائق إلى مكتبات أوروبا وأمريكا، واشتملت على وثائق قانونية وخطابات، ومراسلات، وقوائم حسابات، وسجلات قضائية، وعقود إيجارات، ومقايضة، ومشاركة، واستبدال، ووصايا وهبات، وعتق وفتاوى، وتعاويذ سحرية، وأجزاء من كتب عربية وعبرية، وكتب معظم هذه الوثائق بالعربية وبحروف عبرية([66]).
مع العلم أن غالبية هذه الوثائق المتعلقة بتجارة البحر الأحمر والمحيط الهندي عبارة عن خطابات بُعثت من عدن وجدة وغيرهما من موانئ البحر الأحمر، وكذلك من موانئ الهند إلى مدينة الفسطاط بمصر، ورسائل متبادلة بين موانئ البحر الأحمر([67]).
وتمثلت التجارة الشرقية التي تحدثت عنها وثائق الجنيزة فيما عُرف بتجارة الكارم أو الكارمية، وهم مجموعة من كبار التجار عملوا في تجارة الهند والشرق الأقصى في التوابل وغيرها انطلاقاً من المحيط الهندي، وقد اختلف في أصل مسمى الكارمية، ونشأتهم أيضاً، فمن الباحثين من يشير إلى أن اسم الكارم اشتق من الكانم وهي منطقة من السودان الغربي تقع بين بحر الغزال وبحيرة تشاد، فانتشر اسم الكارم بين المتداولين لتجارة التوابل، ومنهم من يشير إلى أن مجموعة من هؤلاء التجار عرفوا باسم التكرور نسبة إلى مملكة التكرور الواقعة شرقي مالي، ومن التكرور أطلق اسم الدكرور على ميناء بولاق النيلي، فعرفت ببولاق الدكرور نسبة التكرور الذين كانت تصل بضائعهم من قوص عبر النيل إلى بولاق. ومنهم من يعتقد أن كلمة الكارمية او الكارم اخذ عن نوع من التوابل هو "الحبهان" ويلفظ في اللغة الأمهـــرية (كاراريما Kuararima)، ويرجح آخــرون أن الكلمة ليست عربيــة بــل هنــدية من جنوب الهند بلغة "التامل" فقــد ظهرت كلمة "كاريام Karyam" التي تعني في مقطعين "كار بمعنى عمل أو حرفة، ويم بمعنى البحر" أي بمعنى "العمل في تجارة البحر"([68]).
إلا أن نشأة هذا النشاط التجاري كانت في العهد العبيدي الفاطمي([69]). ويرى القوصي([70]) أن التجار اليهود شاركوا في تجارة الكارم طوال عهد الفاطميين والأيوبيين إلا أن حسنين يعارضه بشدة وينفي اشتراك اليهود والمسيحيين في تجارة الكارم، بل يرى أنها اقتصرت على التجار المسلمين دون سواهم([71]). ومع انطلاقة القرن السادس الهجري شاعت كلمة الكارم في بيوت المصريين بالقاهرة([72])، وكما سبقت الإشارة فقد سيطر الكارمية على تجارة البحر الأحمر والمحيط الهندي في مجال تجارة التوابل خاصة وسلعاً أخرى جلبوها من عدن لينقلوها إلى المدن الإيطالية، فكان الفلفل والبهار من أهم سلعهم، وهما من أهم المطالب التجارية في أوروبا، وكذلك الحاصلات الزراعية والملبوسات والحرير الخام، والخشب، والرقيق، والسكر، والأسلحة، وأدوات الزينة، وبقيت التوابل تمثل الصدارة في تجارة الكارمية مثل القرفة والقرنفل والخلنجان والزنجبيل، والراوند والكافور، والعود الهندي وحب الهال "الحبهان" وجوزة الطيب والزعفران، وكذلك من العطور البخور وعود الند والمسك وخشب الصندل والعنبر واللادن والمصطكي، إضافة إلى العاج والحرير والأحجار الكريمة([73]).
ومن مراكز نشاط الكارمية التجارية الهامة في العهد الفاطمي عدن، وعيذاب، والقصير. وحقق الكارمية مكانة كبيرة في العصور الوسطى خاصة في العهود الثلاثة الفاطمي والايوبي والمملوكي، وشكلوا طبقات اجتماعية بارزة عُرفت بثرائها واتصالها بالسلاطين والحكام، وأسهموا في إقامة المنشآت الدينية والمدنية والعلمية مثل بناء المساجد والمدارس والأربطة في مصر والحجاز وغيرهما، واشتغل بعضهم بالتدريس والقضاء إضافة إلى التجارة([74]) واستمر نشاط الكارمية في العهد الأيوبي، (567ـ648هـ) فلعل من بين أهداف صلاح الدين الايوبي (رحمه الله) في السيطرة على الحجاز واليمن أهمية موقعهما التجاري في تجارة البحر الأحمر الشرقية، ورغبة في استمرار تجارة الشرق إلى عاصمة بلاده القاهرة([75]).
وفي هذا العهد تعرضت موانئ الحجاز بدءً من أيلة (العقبة) لغزو صليبي تصدت له القوات الايوبية بكل قوة وعاد البحر الأحمر بحيرة إسلامية.
واقتفى خلفاء صلاح الدين أثره في الحفاظ على البحر الأحمر بحراً إسلامياً، وقامت موانئ البحر الأحمر الغربية والشرقية مثل عدن وجدة وعيذاب وأيلة (العقبة) بدور رائد في تجارة الشرق([76]).
وفي العهد المملوكي (648ـ923هـ) تنافس على اغتنام مكاسب التجارة الشرقية عبر البحر الأحمر ثلاث قوى سياسية حكام المماليك في مصر وحكام الحجاز "الأشراف"، وحكام اليمن من الرسوليين ثم الطاهريين، وقد كان يفترض أن يتم التعاون والتنسيق بين هذه القوى لتحقيق التكامل التجاري بينهم إلا أن العكس هو الذي حصل، فقد وقعت عدة صراعات سياسية وعسكرية أدت إلى اضطراب حال التجار وتنقلهم في موانئ البحر الأحمر الغربية والشرقية بحثاً عن الميناء الأكثر أمناً واستقراراً، فمن هروب من عدن إلى جدة إلى ينبع إلى عيذاب([77]). لكن بقيت جدة عاصمة التجارة الشرقية بلا منازع طيلة العهد المملوكي حتى اختفت بجوارها الموانئ الأخرى بل انتهت تماماً مثل عيذاب والقصير([78]). وللحفاظ على طريق البحر الأحمر وخاصة من بعد محاولة الصليبيين غزو الحجاز مُنع دخول الفرنج للبحر الأحمر حماية للأراضي المقدسة في الحجاز، وخشية من القضاء على تجارة المسلمين عبر البحر الأحمر، وأيضاً خشية من قيام تحالف مسيحي بين الحبشة، وأوروبا، إلا أن حكام مصر وفي فترات معينة سمحوا للإيطاليين بعبور البحر الأحمر بإذن خاص، إلا أنه اكتشف وجود تحالف بين ملك الحبشة إسحاق والفونسو الخامس ملك أراجون للقيام بحملة صليبية عام 832هـ، فأغلق البحر الأحمر في وجه الأوربيين، إلا أن محاولات الأوروبيين لدخول البحر الأحمر لم تنقطع حتى قدوم الغزو البرتغالي في القرن العاشر الهجري([79]).
أما عن التجارة الكارمية فقد تأثرت كثيراً في عهد المماليك الجراكسة للسياسة الاحتكارية التي اتبعها سلاطين المماليك الجراكسة (784ـ923هـ) وأجبروا أشراف مكة على إشراكهم في المكوس بميناء جدة مما لم يسبق له مثيل في علاقة حكام مصر بحكام الحجاز، بل استولى السلطان برسباي على مكوس جدة، حتى أصبحت جدة تابعة للسلطان، فضيق على التجار وأمراء مكة وألزم التجار بعدم السفر إلى الشام مباشرة قبل المرور على مصر لتحصيل المكس من الجميع، وضاق الجميع بهذه الإجراءات داخل السلطنة المملوكية وخارجها، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار التوابل وكافة السلع الشرقية، واحتكر السلطان التجارة الشرقية وسار على نهجه كبار رجال الدولة، فاحتكروا لأنفسهم سلعاً واشتروا أخرى وضج حتى تجار الغرب من هذه الاحتكارات الجائرة، وتوالت الاحتكارات حتى وصلت قمة قسوتها في عهد الغوري (907ـ922هـ) واستولى حسين الكردي نائب المماليك على جدة على عشرة أمثال العشر أي ما يعادل قيمة السلعة نفسها([80]). ونتج عن كل ذلك انهيار التجارة الكارمية ثم انهيارهم أيضاً كطبقة اجتماعية بارزة([81]).
 وكما كانت نهاية الكارمية تجارياً على يد المماليك الجراكسة كانت نهاية دولة المماليك تجارياً على يد البرتغاليين الصليبيين، فبدافع صليبي؛ ودافع تجاري للبحث عن أماكن التوابل كان اهتمام البرتغاليين بالكشوف الجغرافية في الشرق، وقد قام الأمير البرتغالي هنري الملاح برحلة طاف بها رأس باجادور عام 1434م (838هـ) وفي عام 1445م (849هـ) أثمر تجوالهم عن اكتشاف الرأس الأخضر، وتواصل البحث بمحاذاة الساحل الإفريقي جنوباً، ففي عام 1471م (876هـ) مر البرتغاليون بخط الاستواء، وفي عام 1487م (893هـ) وصلت رحلة برتغالية إلى أقصى الطرف الجنوبي وسماها ملك البرتغال "رأس الرجاء الصالح" استبشاراً بمستقبل هذا الطريق المكتشف، وفي عام 1497م (903هـ) تحركت رحلة فاسكو دي جاما متجهة إلى الهند الغربية، وفي عام (1498م) (904هـ) تحول طريق التجارة عبر المحيطات مهملاً طريق البحر الأحمر([82]).
وتزايد نشاط البرتغاليين التجاري في الهند، وسيطروا على تجارة التوابل، ففي سنة 1502م (908هـ) عادت سفن بيروت بأربع بالات من الفلفل، ولم تجد السفن في الإسكندرية ما تحمله، ولم تعد ترى السفن إلا مرة كل عامين، وواصل البرتغاليون استمالة الأوروبيين المتعاملين تجارياً مع المماليك كالبندقية وباقي الإيطاليين، وعملوا من جهة أخرى على تدمير الأساطيل التجارية للمسلمين من الأمراء الهنود، وترصدوا لسفن المسلمين عند مدخل البحر الأحمر، فما كان من السلطان الغوري وبعد عدة محاولات لاستمالة الأوروبيين "البنادقة" لعودة التجارة مع المماليك كسابق عهدها إلا أن أعد أسطولاً حربياً بقيادة حسين الكردي الذي وصل إلى جوجيرات عام 1507م (913هـ)، فباغت الأسطول البرتغالي وهزمه عند شول([83]) عام 1508م (914هـ) إلا أن البرتغاليين انتقموا لهزيمتهم بهزيمة الأسطول المملوكي وتدمير معظم سفنه عام 1509م (915هـ)، وانسحب حسين الكردي وتأثر السلطان المملوكي، وازداد طغيان البرتغاليين فترصدوا السفن العربية والمملوكية على مدخل البحر الأحمر ومدخل الخليج العربي، واستولوا على حمولاتها، وانحصر دور المماليك في الدفاع عن البحر الأحمر بل والدفاع عن جدة فقط بعد هزيمة ديو([84])، وبقى الأمر في مناوشات حتى مقتل السلطان الغوري على يد السلطان العثماني سليم الأول عام 1516م (922هـ) ومقتل الكردي في بحر جدة غرقاً على يد أمير مكة من نفس العام([85]).

دراسة
د. الشريف محمد بن حسين الحارثي 



([1])  الرويثي: الموانئ السعودية، ص52ـ57.
([2])  صورة الأرض، ص45 ـ 46.
([3])  شهاب: فن الملاحة عند العرب، ص229.
([4])  جورج فاضلو: العرب والملاحة في المحيط الهندي، ص25ـ26.
([5])  القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص11ـ14.
([6])  شهاب: فن الملاحة عند العرب، ص29.
([7])  السند: بكسر أوله، وسكون ثانيه، وآخره دال مهملة، وهي بلاد بين الهند وكرمان وسجستان، فتحت في أيام الحجاج بن يوسف الثقفي. وهي الآن جزء من جمهورية الباكستان الإسلامية ويخترقها نهر السند الذي يبلغ طوله 3180كم تقريباً. انظر ياقوت: معجم البلدان: ج3، ص267 مادة (السند).
([8])  كونكنام: في بلاد الهند. انظر ياقوت: ج4، ص484.
([9])  مليبار: إقليم كبير في وسط الهند، انظر ياقوت، ج5، ص196. وكلمة مليبار تتكون من مقطعين هما: ملي، وتعني أرض الجبل، وبار تعني الساحل، أي سواحل الأراضي الجبلية، وتشمل سواحل غرب الهند من جنوب حتى ساحل جوجيرات شمالاً، ومن أهم موانيء المليبار قاليقوط، وكوبلون (كو لم ملي)، وألبي، وبوناي، وتريفندوم، وسيل، وكانور، انظر أحمد عبدالحميد الشامي: العلاقات التجارية بين إقليم الخليج العربي والسواحل الغربية للهند في العصور الوسطى، دورية اتحاد المؤرخين العرب بعنوان (إقليم الخليج على مر العصور) القاهرة، 1417هـ ـ 1996م، ص107.
([10])  سيلان: بالتحريك آخره نون، جزيرة عظيمة، وبها سرنديب بين الهند والصين، انظر ياقوت: ج3، ص298، وهي الآن تشكل جمهورية سريلانكا الواقعة جنوب آسيا في المحيط الهندي على بعد 80 كم جنوب الهند وعاصمتها كولمبو.
([11])  جاوة: جزيرة ومدينة عاصمة لإندونيسيا الحالية. جنوب شرقي آسيا.
([12])  الصين: بالكسر وآخره نون، بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك، وتوسع ياقوت في الحديث عنها كثيراً. انظر: ج3، ص440.
([13])  شهاب: فن الملاحة، ص28.
([14])  الخطيب أبي زكريا يحى بن علي: شرح القصائد العشر، ضبطه وصححه عبدالسلام الحوفي، الطبعة الأولى، 1405هـ ـ 1985م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص75ـ76.
([15])  التبريزي: شرح القصائد العشر، ص288 (يروى وسط البحر، ويروى ونحن البحر)، وانظر غيثان جريس: البحر في كتب التراث الإسلامي، دورية اتحاد المؤرخين العرب (الحضارة الإسلامية وعالم البحار)، 1414هـ ـ 1993م، ص94. حوراني: العرب والملاحة في المحيط الهندي، ص21.
([16])  الأمم والملوك: ج1، ص546.
([17])  الأمم والملوك: ج2، ص132، وانظر علي الشيخ ابو بكر: معالم الهجرتين، ص138ـ147، وانظر ابن هشام: السيرة النبوية، ج1، ص293.
([18])  الأمم والملوك: ج2، ص132، وانظر ابن الأثير، الكامل، ج2، ص144ـ145. ويرى ابن سعد أن الرسالة كانت في السنة السابعة في شهر المحرم، ويرجح ابن كثير بأن إرسال الرسل إلى الملوك كان في نهاية سنة ست في ذي الحجة. أما عن كتاب أو كتابين أرسلت إلى النجاشي، فقد اختلف المؤرخون في أنها أرسلت دفعة واحدة مع الصحابي عمرو بن أمية الضمري في نهاية السنة السادسة أو بداية السنة السابعة كتابٌ يحمل دعوة إلى الإسلام وآخر دعوة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للنجاشي لتزويجه بأم حبيبة رضي الله عنها. وهناك من يرى أنه وجه كتاباً آخر إلى نجاشي غير الذي استقبل جعفر وأصحابه. إلا أن من المرجح أن النجاشي المسلم الذي صلى عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت إلا في السنة التاسعة للهجرة.
     وانظر الطبقات الكبرى، ج1، ص258، وانظر ابن كثير، ج4، ص262. وانظر علي الشيخ أحمد أبو بكر: معالم الهجرتين، ص188ـ192.

([19])  زيلع: أو زالع تقع على ساحل البحر الأحمر من بلاد الحبشة، ويصفها الإدريسي بأنها مدينة صغيرة، لكنها كثيرة الناس والمسافرين إليها كثير، وأكثر مراكب القلزم تصل إليها بأنواع التجارات، ويخرج منها الرقيق والفضة.انظر نزهة المشتاق،ج1، ص44.
([20])  عبدالقادر: عبدالشافي غنيم: البحر الأحمر طريقاً للدعوة الإسلامية، بحث ضمن (البحر الأحمر في التاريخ والسياسة الدولية المعاصرة)، جامعة عين شمس، القاهرة، 1980م، ص79ـ92.
([21])  تاريخ البحرية المصرية: نخبة من المتخصصين بجامعة الإسكندرية، مصر، 1973م، ص273ـ275.
([22])  الطبري: الأمم والملوك: ج2، ص498، وانظر ابن الأثير، ج2، ص376ـ 377.
([23])  تاريخ ابن خلدون: ج1، ص211.
([24])  تاريخ ابن خلدون: ج1، ص211.
([25])  الطبري: الأمم والملوك: ج2، ص475.
    
(1) (وهذا الخليج كان قد حفر في عهد الرومان قبل الإسلام، واشتهر باسم "قناة تراجان"، بل يرى بعض الباحثين إلى أنها حفرت فى عهود مختلفة وطُهرت، وقد حُفرت من أيام الفراعنة. وحفرت هذه القناة في العام (23هـ) وكانت تمتد من بلبيس فبحيرة التمساح فمدينة القلزم (السويس)، واستغرقت مدة الحفر ستة شهور، ونقل عبر هذا الخليج المؤن والطعام إلى الحجاز، وبلغت حمولة المركب الواحد ثلاثة آلاف إردب. وبقى هذا الخليج معبراً للتجار وغيرهم، فكانت السفن تسير فيه إلى البحر الأحمر تريد الحجاز او إلى اليمن او الهند، إلى ان أهمل أمره الولاة بعد عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز الأموي رحمه الله، فتكاثرت فيه الرمال والسوافى، وصار  ممشاه إلى ذنب بحيرة التمساح من ناحية الطور والقلزم، حتى ردم سنة 145هـ في خلافة أبي جعفر المنصور العباسي لقطع الإمدادات التي كانت تصل لمحمد ذي النفس الزكية أثناء ثورته على المنصور في المدينة من مصر).
     وانظر الحموي: محمد ياسين: تاريخ الأسطول العربي، مطبعة الترقي بدمشق، ص11ـ13. وانظر: القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص27ـ31، وانظر سيد إسماعيل كاشف:البحر الأحمر والفتح العربي لمصر،(البحر الأحمر في التاريخ والسياسة..)، جامعة عين شمس، ص98ـ101. وانظر: حوراني: العرب والملاحة في المحيط الهندي: ص175ـ181.
([27])  مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص266ـ267.
([28])  حسن: يوسف فضل: الصراع حول البحر الأحمر منذ أقدم العصور حتى القرن الثامن عشر: مجلة الدارة، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، العدد الثالث: السنة الثامنة، ربيع ثاني وجمادي الأولى والآخرة، 1403هـ ـ 1983م، ص110ـ111.
     وانظر: القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص30ـ31. وانظر، سيدة كاشف البحر الأحمر والفتح العربي بمصر، ص101ـ102.
([29])  نعيم زكي فهمي: طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973م، ص124.
([30])  نعيم زكي فهمي، ص161ـ162، وانظر العبيدي: عبدالعزيز بن راشد ، التجارة والملاحة في البحر الأحمر في عصر المماليك، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ ـ 1980م، الرياض، ص126.
([31])  علي لي تشين تشونغ: آثار العرب ومآثرهم في الصين عبر التاريخ، المجلة العربية للثقــافة، السنة التاسعة عشرة ـ العدد الثامن والثلاثون، ذو الحجة، 1420هـ ـ مارس (آذار) 2000م، ص152.
([32])  يشار إلى هذا القول بأنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو حديث موضوع، والأسلم أن يُشار إليه بقول مأثور.
([33])  جريدة الرياض، العدد 114544، الأربعاء 25 رجب 1420هـ 3 نوفمبر 1999م (كانت كلمة الرئيس الصيني من محاضرة ألقاها في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في أواخر شهر رجب من عام 1420هـ).
([34])  فهمي: طرق التجارة الدولية، ص125.
([35])  المصدر السابق، ص162.
([36])  عبدالعليم: أنور، الملاحة وعلوم البحر عند العرب، ص72.
([37])  المصدر السابق، ص73.
     (ولعل من أهم الصادرات والواردات عبر هذا الطريق المتبادلة بين العرب وأهل الصين "اللؤلؤ القطري الجيد الذي يقع ناحية الشحر والعقيق اليمني، والجزع التِشْب اليمني، وحجارة المسنّ وتقع بالحجاز ناحية خيبر، واللبان من بلاد الشحر وحضرموت، واللك، والكنــدر، والصمغ العـربي من شجر الطلح، والمقل باليمن، والسنان (التمر الهندي)، والصبر من جزيرة سوقطرة اليمنية، والقسطل، والورس، وشجر اللبان من الحجاز، وسكر العشر من اليمامة، والسنا الحرمي من مكة، والحراب من صنعاء، والأردية والعمائم العدنية، والأدم الطائفي، والخيل العراب، والحمر الهماليج من مصر، والثياب الرقاق، والزبرجد. تلك أهم صادرات العرب إلى الصين، ومن واردات الصين إلى بلاد العرب، الحرير الصيني، وثياب الكيمخا، والأطلس،والغضار (الخزف)، والفرند،والمسك من"التبت" والسروج، والسّمّور، ¬ ®والعود، والدارصيني (القرفة) والخولنجان، والذهب، والأبنوس، والكافور، والجوزبوّا، والقافلة (الهيل)، والنارجيل، والياقوت بألوانه، والألماس، والرصاص القلعي، واللبود، والكاغد، والمداد، والطواويس، ومهندسوا الماء، وعلماء الحراثة، والاكّارة، وبناة الرخام).
     انظر: محمد حُوَّر: العرب والصين تاريخ فن وروابط، المجلة العربية للثقافة، المصدر السابق، ص97ـ100.
([38])  فهمي: طرق التجارة الدولية، ص177.
([39])  اليوزبكي: توفيق، تاريخ تجارة مصر البحرية في العصر المملوكي، مؤسسة دار الكتب، جامعة الموصل، 1395هـ ـ 1975م، ص78.
([40])  السليمان: النشاط التجاري في شبه الجزيرة العربية، ص98.
([41])  غوانمة: أيلة (العقبة) والبحر الأحمر، مصدر سبق ذكره، ص32ـ55.
([42])  تأريخ المستبصر، سبق ذكره، ص50.
([43])  حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص49.
([44])  فهمي: نعيم زكي، طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب، ص140.
([45])  السليمان: علي حسين: العلاقات الحجازية المصرية، ص190 ـ 191.
([46])  السليمان: العلاقات الحجازية المصرية، ص193.
([47])  الرويثي: التطور المكاني والتاريخي لموانئ شبة الجزيرة العربية، ص112.
([48])  حسنين محمد ربيع: البحر الأحمر في العصر الايوبي، ص120.
([49])  السليمان: العلاقات الحجازية المصرية، ص193ـ202.
([50])  صورة الارض، ج1، ص25.
([51])  الزيلعي: أحمد، ميناء السرين، سبق ذكره، ص188ـ189، وانظر الفقيه: مدينة السرين، ص49ـ50.
([52])  نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج1، ص138.
([53])  الروض المعطار في خبر الاقطار: ص312.
([54])  الفقيه: مدينة السرين، ص80.
([55])  أبو شامة: الروضتين في أخبار الدولتين، مصدر سبق ذكره، ج3، ص134ـ140. وانظر حسنين ربيع: البحر الأحمر في العصر الايوبي، ص105.
([56]) حسنين ربيع: البحر الأحمر في العصر الأيوبي، ص105.
([57]) القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص25، وانظر السيد عبدالعزيز السالم، البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، مؤسسة شباب الجامعة، 1993م، ص13.
([58])  القوصي: المصدر السابق، ص46ـ47، وانظر السالم، المصدر السابق، ص13ـ14.
([59])  موريس: الجغرافيا التاريخية للعالم الإسلامي خلال القرون الأربعة الأولى، ترجمة عبدالرحمن حميدة، دار الفكر، دمشق، ص276.
([60])  المسالك والممالك، ص153، وانظر جورج حوراني: العرب والملاحة في المحيط الهندي، ص227، القوصي، ص32ـ33.
([61])  المدونة الكبرى، دار صادر، بيروت، ج4، ص270ـ271.
     وانظر آل سويلم: ابتسام بنت عبدالمحسن، الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الحجاز من قيام الدولة العباسية حتى منتصف القرن الرابع الهجري، رسالة ماجستير، جامعة الملك سعود، كلية الآداب، قسم التاريخ، 1404هـ ـ 1984م، ص24ـ25. وقد سبقت الإشارة في الفصل الأول إلى موقف الأمام الشافعي المشابه لموقف الأمام مالك رحمهما الله.
([62])  القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص56ـ58، وانظر السالم، البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، ص16.
([63])  القوصي: المرجع السابق، ص69ـ71، والسالم، المرجع السابق، ص17.
([64])  القوصي: المرجع السابق، ص79، والسالم، المرجع السابق، ص18.
([65])  موريس: الجغرافيا التاريخية، سبق ذكره، ص278.
([66])  حسنين محمد ربيع: البحر الأحمر في العصر الايوبي، سبق ذكره، ص113، وانظر القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص14ـ15.
([67]) حسنين محمد ربيع: البحر الأحمر في العصر الأيوبي، ص114، وانظر القوصي في تجارة مصر في البحر الأحمر، ص85.
([68])  القوصي: ص101ـ103، وانظر السالم: البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، ص30ـ31.
([69])  القوصي: تجارة مصر في البحر الأحمر، ص91ـ93.
([70])  المرجع السابق، ص92، ص99، ص100، ص173ـ175.
([71])  البحر الأحمر في العصر الأيوبي، ص115.
     كما أن د/ نعيم زكي فهمي: يؤيد وبقوة رأي محمد ربيع حسنين مؤكداً أن (طائفة الكارمية كانت هيئة متماسكة جعلت من الإسلام أساس وحدتها وعصبيتها فلم يوجد بين الكارمية أي يهودي، وإن لم يمنع قبولهم للتاجر اليهودي الذي يعتنق الإسلام ويتوارثه عنه أبناؤه كما يتوارثون التجارة، وليس أدل على ذلك من أن فنادقهم كان بها مساجد تحمل أسماؤهم وينفقون عليها من جهدهم الخاص) طرق التجارة الدولية، ص309.
     وينقل د/ السيد عبدالعزيز السالـم في كتابه البحر الأحمر في التاريخ الاسلامي رأي صبحي لبيب في دراسته "التجارة الكارمية" ما يؤيد الرأي السابق لفهمي وحسنين من أن الكارمية طائفة إسلامية ومن دخل معهم من اليهود اعتنق الإسلام، ص33ـ34.
([72])  القوصي: المرجع السابق، ص97.
([73])  حسنين: البحر الأحمر، ص116، وانظر القوصي: المرجع السابق، ص103.
([74])  حسنين: البحر الأحمر في العصر الأيوبي، ص116، وانظر السالم: البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، ص32.
([75])  حسنين: البحر الأحمر ، ص106ـ107.
([76])  حسنين، المرجع السابق، ص111ـ120.
([77])  محمد أمين صالح: تجارة البحر الأحمر في عصر المماليك الجراكسة، (البحر الأحمر في التاريخ والسياسة الدولية المعاصرة)، جامعة عين شمس، القاهرة، 1980، ص160.
([78])  المرجع السابق، ص165.
([79])  محمد أمين صالح: تجارة البحر الأحمر، ص167.
([80])  السليمان: العلاقات الحجازية المصرية، ص165ـ168، ص201ـ202.
     وانظر الزهراني: عائض محمد عائض: الحجاز في عهد الشريف حسن بن عجلان، رسالة ماجستير، جامعة الملك عبدالعزيز، كلية الآداب، قسم التاريخ، عام 1412ـ1413هـ، ص211ـ223.
([81])  محمد أمين صالح: تجارة البحر الأحمر في عصر المماليك الجراكسة، ص175.
([82])  السليمان: علي حسين: النشاط التجاري في شبه الجزيرة العربية، ص280ـ281.
([83])  شول: ميناء صغير تابع لمملكة الدكن، ويقع جنوب سلطنة كوجران، بالقرب من الساحل الغربي للهند.
([84])  ديو: ميناء على خليج ديو على ساحل بحر العرب في اقليم جوجيرات الذي يقع في الركن الشمالي الغربي للساحل الغربي للهند. انظر: نعيم زكي: طرق التجارة، ص171.
([85])  فهمي: نعيم زكي: المرجع السابق، ص71ـ110، وانظر محمد طه صلاح بكري: الحجاز، (859ـ923هـ)، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، كلية الشريعة، عام 1410هـ ـ 1990م، ص162ـ164.