الأحد، 23 يوليو 2017

بيان وتوضيح حقيقة الفيلم الهندي (جودا أكبر)

شاهدت في إحدى القنوات الفضائية مساء الجمعة 28/10/1438هـ الموافق (22/7/2017م) الفيلم الهندي (جودا أكبر) (بالإنجليزية: Jodhaa Akbar)، وهو فيلم درامي تاريخي ملحمي يتحدث عن:                   ( السلطان المغولي جلال الدين محمد أكبر، أحد السلاطين المغول الكبار الذين حكموا الهند وعاش ما بين عامي 1556م – 1605م " الموافق 963هـ-1013هـ).
وبما أن أفلام السينما الهندية "بوليوود" تعتمد كثيراً على دغدغة مشاعر المشاهدين، ومخاطبة العاطفة، واللعب على أوتار حساسة لدى المتلقي، مثل محاربة الظلم، والدفاع عن المظلوم، والمناداة بالحرية، فهي أفلام تجارية عمودها الفقري الغناء، والاستعراض.
ومن شاهد الفيلم وهو ذو بصيرة ومعرفة بتاريخ المسلمين في تلك القارة الكبيرة سيخرج بانطباع بأنه كان عرضاً مشوّها لصورة المسلمين، وخلطاً متعمداً بين مفاهيم كثيرة، وتحريفاً واضحاً لحقائق، وحوادث من المفترض بأن الكتب التاريخية قد فصلت فيها.
 فالفيلم يزور الحقائق التاريخية، ويحتوي على العديد من المغالطات، والكلمات التي فيها كفر بالله –عزّ وجّل-، والفيلم يدور حول قصة الحب بين إمبراطور الإمبراطورية المغولية الإسلامية جلال الدين أكبر (هريتيك روشان) والأميرة الراجبوتية الهندوسية جودا باي (آيشواريا راي)، ويظهر هذا الإمبراطور المسلم القوي ألعوبة في يد أميرة هندوسية، يخضع لكل رغباتها، بل وشركياتها بين يديه.
وبصفتي متخصص في التاريخ، ولما رأيته في هذا الفيلم من مغالطات تاريخية واضحة، وتشويه متعمد لحضارة الإسلام في الهند، تمثل في تجميل صورة هذا السلطان المغولي المسلم السني  افتراضاً، والمنحرف عن ديانة الإسلام ومنهجه فكراً وممارسة وتطبيقا، برغم ماله من إنجازات عسكرية وإصلاحات مدنية كثيرة، وحتى لا ينخدع به شبابنا المسلم في البلاد العربية، الذين قد شاهدوا أو سيشاهدون الفيلم على شاشات الفضائيات أو صفحات الأنترنت، أن أوضح لهم حقيقة معتقدات هذا السلطان المنحرف.

ورأيت أن أتجنب ما كُتب عنه في الأنترنت، والعودة إلى بعض المراجع التاريخية الموثوقة في تاريخ الهند الإسلامي، وخاصة الفترة المغولية:
فالسلطان جلال الدين الملقب بأكبر: كان من أقوى ملوك المغول إدارة وحكماً، ولكنه كفر في آخر أيامه وصد عن سبيل الله، وأكره الناس على الكفر، وابتدع لهم ديناً جديداً، فالذي قام على إرشاده والفضل عليه هو بيرم خان الشيعي المتعصب، وكان لهذا أثره فيما بعد حين قرب إليه كثير من علماء الشيعة، وجعلهم مستشارين له.
 وقد كان في أول عهده أميل إلى أهل العلم والصلاح، ثم انحرف وانجرف بسبب إنجازاته العسكرية والمدنية، وبتأثير البطانة الفاسدة إلى الكبر والغرور، فزينوا له أنه ظل الله في أرضه، وله أن يرى ما يرى في الدين والحياة، فمالت نفسه إلى التحرر من قيود الشريعة، وتعلق بالأديان الأخرى يخلط بعضها على بعض كاليهودية والمجوسية والنصرانية والهندوسية.
 وقد بنى في مدينته الجديدة مكاناً سماه " عباد تخانه" أي مكان العبادة التي اخترعها، فقدم لرعيته ديناً جديداً يجمع عليه شعبه المتعدد الأديان وسماه " الدين الإلهي"، ونادى بأن الدعوة الإسلامية قد مضى زمنها بمرور ألف سنة عليها، وأنها أصبحت لا تتفق مع زمانه، فأنكر الوحي والجن والملائكة والحشر والنشر وسائر المغيبات وأكثر المعجزات، وجوز التناسخ وحرم ذبح البقر، وأحل الخمر والميسر وغيرها، وأمر بإيقاد النار في داخل قصره الخاص على طريقة المجوس، وأن تعظم الشمس حين طلوعها على طريقة مشركي الهند ، وأبدل كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله" إلى " لا إله إلا الله أكبر خليفة الله".
 بل ورسم " القشقة" على جبهته وهي (النقطة الحمراء من الزعفران التي يضعها الهندوس الهنود على جباههم) وقد ظهرت في الفيلم بشكل متكرر.
 كما وصل به الادعاء إلى القول بأن واضع دين الإسلام من فقراء الأعراب ..!، وأمر ألا يُقرأ من العلوم العربية إلا النجوم والحساب والطب والفلسفة، وتعلق بالنصرانية، وطلب من البرتغاليين أن يرسلوا رهباناً وأكثر يعلمونهم بعض معتقداتهم.
وتذكر دائرة المعارف الإسلامية الفرنسية بشأن عقيدة "أكبر" (مما لا مشاحة فيه أنه ترك الإسلام، ووضع عقيدة سماها " التوحيد الإلهي" ...).
ويقول الأمير شكيب أرسلان:" عندما يقرأ الإنسان أعماله هذه يعرف أن الرجل قد تمجس، وانتهى النزاع، ولكن حين تجده معجباً بالبوذية والبرهمية والنصرانية والتشيع، تعلم أن الرجل كان ساعياً بزعمه وراء الحقيقة فهو مختلط العقل في المسألة الإلهية ..".
وبرغم كل ما ذكر أعلاه عن هذا السلطان المنحرف، إلا أن هذا لا ينطبق على من أتى بعده من السلاطين المغول الذين أعادوا بريق الإسلام السني إلى وضعه الطبيعي في القارة الهندية، ومنهم السلطان " أُورنْك زِيْب " – ويقال " أورنج زيب " -معناها بالفارسية " زينة العرش "، فـ " أورنج " معناها: عرش، و " زيب " معناها: زينة، وأما " عالَم كير " فمعناها بالفارسية: فاتح العالم.
وهو ابن السلطان " شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين فى الهند , وهو الذي بنى مقبرة " تاج محل " الشهيرة التى تعد من العجائب ، ليدفن فيها زوجته الشهيرة باسم " ممتاز محل " – والدة السلطان أبي المظفر - والتي فُتن بحبِّها ، ومن شدة حزنه عليها لم يعد صالحاً للملك ، فتولَّى ابنه السلطان أبو المظفر الملك في حياته بعد معارك مع إخوته .
لم يكن السلطان " أورنك زيب " كباقي سلاطين المغول، بل المعروف من سيرته أنه كان عالِماً عابداً زاهداً تقيّاً شاعراً، وكان حنفي المذهب في الفروع، فهو ليس كباقي سلاطين المغول، بل هو خير منهم جميعاً.
ومن أفعاله الجليلة: أنه حارب البدع والخرافات، وترك الاستماع للموسيقى والغناء -مع أنه كان من الماهرين بهما -وأبطل الاحتفالات الوثنية والبدعية، كما أبطل عادة الانحناء وتقبيل الأرض مما كان يُفعل للملوك قبله، وأمر أن يحييه الناس بتحية الإسلام " السلام عليكم ".

من المراجع:
-         حاضر العالم الإسلامي: الأمير شكيب أرسلان.
-         تاريخ الإسلام في الهند: د. عبدالمنعم النمر.
-         ملحمة الإسلام في الهند: د. عدنان النحوي.


جمع وإعداد: الشريف محمد بن حسين الحارثي